MENU





 

.

.

عاد ولم يندم قط

.

.

تعرفت خلال هذه الأيام على شاب شركسي فاضل ، وهو من العائدين السوريين ، ويحب الخير والإحسان ، والجمال والفضيلة ، وشعرت بالرغبة في مساعدته ، ولا أدري ماذا يمكن أن أقدم إليه ، ولكني قلت له: إن كنت تريد أن تذهب إلى أي مكان ، أو تريد أن تسأل عن أي شيء ، فأنا جاهز ، ومستعد .

.

 وبألم هو إنسان منفتح ، يشع من عينيه بريق الأمل ، وتبدو على أمارات وجهه دلائل الفرحة والسعادة ، عندما يضحك ، تضيء الدنيا بضحكته . لقد عاد إلى أرض الوطن منذ سنة واحدة فقط ، إلى أنه لا يعد نفسه غريبا ، فهو يعتبر نفسه ابن هذه الأرض الطيبة . يقيم الآن مع أحد العائدين القدامى الذي أمن له عملا ، حيث يقوم بغسل السيارات في إحدى المغاسل ، والبيت الذي يقيم فيه لا يبعد كثيرا عن مكان عمله ، ولو وقع أحد شباننا المحليين في ظروف مشابهة لشعر باليأس ، إلا أن هذا الشاب متفائل ، وأنوار الأمل تملأ قلبه ـ، وهذا ما يدعوك إلى تقديره ، واحترامه . الشاب الذي أتحدث عنه اسمه وسيم ، وهو من عائلة جامبولات ، درس اللغة الإنجليزية في كلية اللغات بجامعة حمص ، كان يرغب أن يعمل مترجما إلا الأوضاع المتوترة في سوريا ، والحرب التي تجري هناك منعته من تحقيق رغبته ، فعاد وبسرعة ، ومشاهد الأحداث الدامية في سوريا مازالت حية في مخيلته . ولد ، وتربى في قرية عين النسر ، وهو الآن ينتظر عودة أسرته ، وبفارغ الصبر ، وهو يفهم قليلا اللغة الروسية إلا أنه لا يستطيع التحدث بها ، لكنه يعرف اللغة الشركسية وبصورة مقبولة ، ولذلك صرت مترجمة له بعد أن تعرفت عليه ، وهو ممن يحب الموسيقى الشركسية ، ويعزف على الأكورديون المقطوعات الشركسية ، ويغني بعض الأغنيات الشركسية . شارك في احتفال العام الماضي والذي جرى في الأول من شهر آب للعائدين ، كما شارك في الاحتفال الذي أقيم قبل أيام قلائل ، وبهذه المناسبة ، وسألت عن الأغنية الشركسية التي سيُغنـِّيها ، ويعزفها ، فعرفت أنها أغنية عاطفية ، عن علاقة حب نشأت ما بين شاب وفتاة ، وعندما غنى مقطعا منها أنار وجهه ، وأضاء رغم الظروف المعقدة ، والصعبة التي تحيط به ، ورغم ما رأته عيناه من مشاهد في سوريا ، وكذلك عدم شعوره بالراحة والاستقرار . يبدو أن طاقة الشباب الكامنة فيه تمده بهذه القوة ، ويقول وسيم : أن جدته هي التي علمته العزف على الأكورديون وحسرة ذكر أنها قد ودعت الدنيا سنة خمس وتسعين وتسع مئة وألف . ولما عاد إلى الوطن أعطاه السيد نارت تسي العائد منذ أمد بعيد من مدينة منبج في سوريا الأكورديون الخاص به .

تعيش أسرة وسيم في قرية عين النسر ، وأبوه مازال في عز أيامه ، فهو لا يتجاوز الثامنة والأربعين ، أما أمه نهيدة فهي في الخامسة والأربعين ، وهي ربة منزل ، أما أبوه فيعمل سائقا ، وميكانيكيا بمدينة حمص ، وكانوا يعملون في مزرعتهم أيضا ، كانت الأسرة تعيش بسعادة ، واطمئنان قبل وقوع الأحداث الأخيرة بقرية عين النسر ، ولوسيم أخوان ، وأخت اسمها نفن ، وهي متزوجة ، وتعيش في مدينة حلب التي تبعد عن حمص نحو مئة وثمانين كيلو مترا ، وقد رزقت بمولودة اسمها تايَه ْ ، وحين يذكرها ، ويتكلم عنها يحس بالسعادة والسرور ، ويريد أن يحدثك عنها أكثر . وقال وسيم : أن والده يتكلم اللغة الشركسية ، وبطلاقة ، أما والدته فهي مثله تتحدث ، وبصعوبة ، وقد أحسست أنه يشعر بالخجل لأنه لا يتكلم اللغة الشركسية بحرية وطلاقة ، وهذا ما يدعوك إلى تقديره أيضا .

إنَّ هذا الفتى النشيط يمكن أن يتعرض لبعض المشقات ، ويواجه الكثير من العقبات والصعوبات لعدم معرفته للغة الروسية ، وعدم اتقانه للغة الشركسية ، وقد لا يجد من يعينه أو يساعده في الملمات ، وقد يجد صعوبة في الحصول على أبسط الوثائق الرسمية ، أدعو الله له أن يمهد له طريقه ، وينيرها له في حياته الجديدة في أرض وطنه الأم .

_ Журналист: Сихъу Гощнагьу

_ الترجمة إلى العربية : محمد ماهر إسلام .

.

.