MENU





 

.

.

حروب التتار والمغول في شمال القفقاس
عدنان محمد مصطفى قبرطاي
:

.

.

في القرن الحادي عشر للميلاد كان يعيش بين نهري إيرس وأورال شعب يقال لهم( اقوموق ) وكان من بين عشائرها عشيرة (قبجاق) وبمرور الزمن أصبح اسم قبجاق يطلق للدلالة على جميع هذا الشعب الذي يحتوي قبائل القوموق بعكس ماكان عليه سابقا.

.

‏وقدمت قبائل(كيتاي) الكبيرة في عام ( 1080 ‏م) فساقوا القبجاق نحو الغرب وانتشر الكيتاي على أنقاض دولة الخزر، وساقوا القبجاق حتى ضفاف الدانوب، ثم أعتب ذلك مجيء قبائل (قاراكيتاي)التي انضمت أخيرا إلى القبجاق.

‏والواقع أن القبجاق كانوا مسالمين ولم تقع بينهم وبين الشركس حروب، على ماهو معروف، وكذلك كانت حالتهم في (مساكنهم) الجديدة وبمرور الزمن أصبح مدلول كلمة القبجاق مدلولأ جغرافيا يدل على المنطقة الجنوبية والشرقية من روسيا الحالية (التي كانت في طور النشوء في موطنها الأصلي).

‏((كان العرب يسمون جبال القفقاس جبل القبج، وشعوبها الكثيرة بالقبجاق (وأحيانا بالأتراك، وكان هذا خطأ شائعا لدى مؤ رخي العرب في تلك الأيام)، أما القبجاق الذين رحلوا إلى الغرب فقد تسموا بأسماء جديدة، فمثلا كان القبجاق القاطنون في غرب نهر الدون يسميهم الروس( ابولو فيتس) أما المجر فكانوا يسمونهم (قون قومان) وهذا الاسم أصبم عامأ عليهم في ائغرب. والقوموق يعيشون الأن في جمهورية الداغستان في شمال ممر دربند على ساحل بحر قزوين وهم يتكلمون باللهجة التترية (الأقرب إلى اللغة التركية) لأنهم من أصل طورانى.

وكان لدخول القبجاق إلى سهوب (روسيا الجنوبية الحالية) وشمال القفقاس في النصف الثاني للقرن الحادي عشر تأثير تخريبي كامل على الإمارة السلافية (الروسية) المستوطنة في (تامان) بحيث اختفت هذه الإمارة من الكتابات الروسبة ابتداء من عام <1094م > ‏وكانت لهذه الإمارة معارك مع الشراكسة وأشهرها النهاية المحزنة لمرافق الأمير الشركسي إيدار, ريداد الذي قتله الأمير الروسي متيسلاف في (في بداية القرن الحادي عشر) وذلك بطعنه غدرا بخنجر أعاد الشراكسة الكرة عليهم بعد مدة بجيش عظيم وزحفوا على إمارة تموترقان ليأخذوا بثأر بطلهم ريداد وبعد عدة معارك قضوا على تلك الإمارة قضاء تاما.

‏حتى وصول التتار والمغول لوحظت عند الشراكسة نهضة في الزراعة وتربية المواشي والصناعة والتجارة» وقويت الاتصالات المختلفة بين القفقاسيين الشماليين البينية ومع الشعوب الأخرى. واتجه التطور الاجتماعي والسياسي في طريق تطور إقطاعي للمجتمع الأديغي (الشركسي) دون وجود سلطة مركزية وقد زارها المؤرخ العربي الكبير المسعودي وكتب في (مروج الذهب ومعادن الجوهر) معلومات هامة عن الشراكسة حيث سماهم ( كشك) ووصفهم كما يلى: ثم يلي مملكة الألان أمة يقال لها كشك وهم بين جبل القبج وبحر الروم.. وليس فيمن ذكرنا من :الأمم في هذا الصقع أنقى أبشار ولا أصفى ألوانا و لا أحسن رجالا ولا أصبح نساء ولا أقوم قدو دا ولا أدق أ~ ولا أظهر أكفالا وأردافا ولا أحس شكلا من هذه الأمة...

‏والألان مستظهرة على هذه الامة لا تنتصف هذه الأمة من للان إلا أنها تمتنع من الألان بقلاع لها على ساحل البحر.... والعلة في ضعفهم عن الالان تركهم أن يملكوا عليها ملكا يجمع كلمتهم ولو اجتمعت كلمتهم لم يطقهم الألان ولا غيرها من الأمم). بالإضافة لهذا الاسم (كشك) كان اليونان والأرمن يسمونهم زيخ أما الروس فكانوا يدعونهم كاسو غ) ولم يدعوا أنفسهم أدغة , بعد هذه المقدمة القصيرة وفي هذه العجالة سنتكلم عن المغول والتتار في القفقاس الشمالى وغيرها وتأثيرهم المدمر على الشراكسة،مع مرحلة تيمورلنك.
في عام 615هـ(1217م) وصل المغول بزعامة جنكيز خان إلى الري وقزوين وهمدان وقتلوا أهلها وأحرقوا مساجدها، وفعلوا بأذرا بيجان ما فعلوه بغيرها من المدن كانت الضربة الأولى لمنطقة شمال شرق القفقاس، وتركزت العمليات المغولية طوال القرن الثالث عشر باتجاهين (ممر دربندا و(ممر داريال) اللذ ين كانا يصلا ن شمال القفقاس بجنوبه.

‏الكتابات الأولى حول التدمير الذي تعرض له الشراكسة (كاسوغ)و(اللان)والأباظة تظهر فى مرجع روسي لعام ( 1223م) وكذلك فى مرجع عربي حيث يقول المؤرخ ابن غفري بردي في النجوم الزاهرة ص 428 ‏مايلى: (وفى سنة 1222 ‏م( 620هـ) وصل باطو (باتو) بن دوش خان بن جنكيز خان إلى دأربند وجرت بينهم وبين القبجاق والروس وقعة كبيرة. انتهت بهزيمة القبجاق والروس وتشريدهم في الأفاق على غير هدى واستولى باطو على ما بتلك الجهات من طوائف الترك وقبائل القبجاق والعلان والألان والأدلاق والجركس والروس وتمكنوا منهم قتلا وسبيا ونهبا» وجلبت سبايا هذه الأجناس إلى البلاد الشامية والمصرية).

وقال عنهم النعيمى (وحسنت أثارهم الممالك !لإسلامية).

أما أبو الفداء الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية فيكتب عن تلك الفترة مايلي: (ثم سار المغول إلى تبريز فصالحهم أهلها بالمال» ثم ساروا إلى بلاد الألان والقبجاق فاقتتلوا معهم قتالا عظيما فكسروهم» وقصدوا أكبر مدائن القبجاق وهى مدينة (سوداق) ولجأت القبجاق إلى بلاد الروس» وكانوا نصارى فاتفقوا معهم على قتال التنار فالتقوا معهم فكسرتهم التتار كسرة فظيعة جدا» ثم ساروا نحو بلقار فى حدود العشرين وستمائة ( 1222 ‏م) ففرغوا من ذلك كله ورجعوا نحو ملكهم جنكيز خان).

‏وعن تفصيلات عامي ) 1222م و 1223م نرى أن الشراكسة الشرقيين والغربيين في شمال القفقاس قد تنادوا للدفاع عن وطنهم ضد هذه القوى المدمرة وراحت القبائل ترسل الجيوش إلى منطقة تلاقي نهر بالق بنهر ترك ما بين مزدوك ونالتشيك الحاليتين.

وقد قابل الداغستانيون فى أربند الجيثر المغولي بمقاومة عنيفة جدا» ولكن القا ئدين جبه وسوبوتاي استطاعا بمناورة بارعة شق الطريق نحو الشمال وسايرا مجرى نهر تيرك الأسفل» وهناك اصطدما بالجيشى المولف من قبائل لاك واللزكى والالان والشيشان ومن التحق بهم من الداغستانيين وكذلك قبيلة القبجاق الطورانية الكبيرة أما الأديغة فقد تجمعت قبائلهم الشرقية خاصة القبرطاي بقيادة ابشى أبشوقو وبشي قدير شوقه تاتلوستان ) ولكن قبائل منطقة القوبان من الأ بزاخ والشابسوغ وسواهم لم تكن قد وصلت بعد» وبقصد تأمين الوقت اللا زم لوصول هذا المدد، وبغاية تأمين نقل لكل سكان المناطق المعرضة لأولى الغارات إلى الجبال ء فقد جهزت طليعة الفرسان المشاهير بقيادة الأمراء الشبان (جلا خستان وقديرشوقه وتبساروقة ) وارسلت إلى الخطوط الأمامية بجوار أربند لإعاقة تقدم العدو. أما الجيشى المغولي بقيادة جبه وسوبوتاي (تورغوت) فتد كان يزحف ناشرا الهلاك والخراب في القرى التي يمر بها وكان فرسان طليعة الكشافة الشراكسة يقومون بمغامرات مدهشة لتأمين رحيل الأهلين وتحصنهم بالجبال.

‏وأخيرا تلا قى الجيشان بقواتهما الأصلية غرب مزدوك (لغابة الصماء باللغة الشركسية) وتلاحما في معركة ضارية واضطرت القوة المغولية للتقهقر إلى مراكز حصينة والتمركز فيها. ومن ثم تفتتت أذهان القائدين عن مكيدة ماهرة وراحوا يراسلون القبجاق ويفاوضونهم سرا داعين للأخوة التركية المغولية» ووعدوهم بقسم كبير من الغنائم والأسلاب» واستطاعوا بدعاياتهم التي تدل على المهارة والذكاء إغواء القبجاق وانحيازهم إلى طرفهم وفي هذه الأثناء ظهرت بوادر التساهل والتراخي في صفوف (الألان )واستفاد العدو من الفرصة وعاودوا ‏الهجوم وكانت معارك رهيبة ضارية اضطر فيها الشراكسة للتراجع مغلوبين، واجتازوا وادي باقسان إلى (بس غوه ن) ولكنهم لم يستطيعوا الصمود هناك أيضا طويلا وظهر الخلل في صفوفهم (وقد هلك الكثير من الفريقين وقتل من أمراء القبرطاي كل من (بشي يا بشوقه) و(قدير شوقه) و(قونشوقه) و(بوشت) و(كلمات) وأصيب الأمير (جلا خستان) بجراح بليغة). وفي هذه الأثناء أقبلت قوات قبائل القربان الأديغية (الشركسية) بقيادة (بش شوه لوخ) فجمع شمل القوات المتقهقرة ونظمها. وكان المغول الذين سكروا بخمرة الظفر قد ظنوا أنه لن تقوم لهذه الفلول المنهزمة قائمة» فانتشرت قطعانهم في البقاع مع الغفلة وعدم الحذر نوعا ما. واستفاد القائد شوه لوخ من الفرصة وقام بهجوم عنيف صاعق أجبر معه العدو على الانسحاب بسرعة شمالأ تاركا القفقاس، وهكذا استطاع الشركس بتفانيهم وتضحياتهم إنقاذ موطنهم من الدمار ولكن الثمن كان غاليا جدا من دماء الأبطال وأرواح الشهداء.

‏اتجه جيش جبه وسوبوتاي تورغوت إلى الشمال ء ثم أجبر القبجاق الذين خانوا حلفاءهم الشراكسة على إعادة ما كانوا قد أخذوه من أسلاب ومغانم ثم هاجموهم وأعملوا فيهم النهب والتقتيل فهرب القبجاق ناجين 0 ‏بأرواحهم وقد لاقوا جزاء خيانتهم وغدرهم. التجأ القبجاق إلى مقاطعة كييف واتفقوا مع الروس على محاربة المغول فلما أرسل إليهم القا ئدان جبه وسوبوتاي الرسل يطلبون الاستسلام قتلوا رسل المغول، ودارت معركة على ضفة نهر كالكا بالقرب من شاطئ بحر أزوف وانتصر المغول وأسروا عددا من قواد الروس والقومان لم القبجاق وأماتوهم اختناقا بالجلوس فوقهم في عام 1223 ‏م وفي هذه السنة ارتد المغول إلى بلادهم في الشرق الأقصى. وكانت غزوة جبه وسوبوتاي المغوليان هذه عبارة عن جولة استطلاعية لاستكشاف المواقع وثروات البلاد والمقاومة التي يمكن أن تقابلهم فيها.

‏من كتاب ب.ب. بترونسكي الذي تحدث عن فترة المغول في شمال القفقاس نقتطف ما يلي:

‏في داغستان قام سكان دربند الممر الإجباري على ساحل بحر قزوين بمقاومة القوات الغازية المغولية وكتب كيرا كوس غاندزاكتس عن دربند (القوات المسلحة الموجودة هناك لم تدع ولم تسمح للغزاة بالمرور).

عندها اختارت القوات المغولية الطريق حول دربند عبروا من طريق الجبال القفقاسية ومناطق منيعة وحصينة، وقاموا بردم الوديان بالأشجار والحجارة» حتى أنهم استخدموا حاجاتهم وإذا لزم الأمر بالخيول والتجهيزات الحربية..

‏إن الطريق الوحيد الذي استطاع المغول الدخول به إلى شمال القفقاس هو الطريق عبر الداغستان الداخلية عن طريق الجبال ذات الطرق الصعبة. وتعطي بعض المصادر أسسأ للافتراض بان التتر- والمغول ساروا عبر أراضي داغستان الداخلية بالمرور حول دربند دخل المغول إلى المناطق التي تقطنها شعوب كثيرة، الأ مينون , لازكيون، وبعض قبائل التيورك (طائفة منهم) قام الغزاة المغول بسلب ونهب وقتل الكثير من اللا زكيين المسلمين وغير المسلمين وارتكبوا المذابح والمجازر ضد الشعوب، ومن ثم وصلوا إلى الألانيين وهم عبارة عن مزيج من قوميات كثيرة ومنهم بعض القبا نل الأ ديغية واجهت القوات تلك مقاومة عنيدة من شعوب جبال شمال القفقاس. وقد اتحد مع الانيا القبجاق ولكن المغول فرقوا بينهما كما قلنا سابقأ. وبسهولة تخلص المغول من عتبة الألان وبعدها استفردوا بالقبجاق فهرب قسم منهم دون قتال وجزء منهم هجروا إلى ما وراء الدنيبر وبمطاردتهم للقبجاق استولى التتر والمغول على مدينة سوداك في القرم وطلب بقية القبجاق مساعدة الروس لهم وفى ربيع 1223 ‏م قام الأمراء الروس مع القبجاق بقتال المغول كان نتيجتها دحر القوات المشتركة وهزيمتها في 31 ‏أيار 1223‏م عند نهر كالك وانتشر القبجاق في شمال القفقاس وقاموا باعتداءات على بعض شعوبها التي دمرتهم وشتتهم وأخذوا قسمأ منهم أسرى وعبيدا حيث بيع العبد القبجاقي (مملوك) في د ربند وشرفان باسعار زهيدة جدا.

‏وفي هذه الأثناء ظهر في القفقاس شاه خوارزم جلال الدين الذي طاردته مجموعات المغول والتتارى وعوضا عن تشكيل تحالفات ضد المغول قام بالإعتداء على الكرج (جورجيا حاليا) وأرمينيا، والسلجوقيين والخليفة في بغداد وحاول جلال إحتلال د ربند بمساعدة حلفانه القبجاق وفي عام 1231 ‏م ظهر المغول من جديد في جنوب القفقاس وألحقوا بجلال الدين ضربة ساحقة كانت الحملة المغولية التترية الاولى تحمل صفة استطلاعية كما قلنا ولم تؤدي إلى ترسيخ سلطتهم في شمال القفقاس حيث أن مدينة «دربند ظلت محافظة على حريتها حتى عام 1239م

‏-الحملة المغولية التتارية الثانية على شمال القفقاس

‏إلى جانب الاجتياح المنظم للقوات المغولية والتتارية لشمال القفقاس، بدؤوا بنفس الوقت باجتياح الأراضي الروسية بقيادة الخان المغولى باتو. كتب في الوثائق التاريخية الفارسية أنه فى خريف 1237م قام أبناء الخان المغولي منغو خان وقازان بغزو الشراكسة وقتلوا القائد المحلي والمعروف بامسم توكارا. واستمرت الحملة عدة أشهر، تبقى نتانج هذه الحملة مجهولة ولكن مذكرات رشيد الدين التى تذكر مصرع الزعيم (القائد) الأديغى تعني هزيمة الأديغة.

وبعد هذه الأحداث ولفترة من قتة أوقف المغول والتتر عملياتهم في شمال القفقاس وبدؤوا عملياتهم في جزيرة القرم وأتاحت الحملة على الأديغة الفرصة للمغول على مهاجمة القرم عن طريق مضيق كيرتش (انطلاقا من الأراضي الشركسية. وفي خريف 1238م استأنف المغول عملياتهم الحربية فى القفقاس حيث حققوا ضربة موجعة للألان الذين مكنوا الأجزاء المركزية من شمال القفقاس واستمرت العمليات حتى أيلول 1239 ‏م، وقد حاصرت القوات المغولية عاصمة الألان مدينة مكس، والآراء حول مكان هذه المدينة متعددة (وقد ذكرت هذه المدينة في الشعر العربي، ففي قصيدة البحتري السينية يتقول:

‏مغلق بابه على جبل (القبق)                لى دارت خلاط ومكس

ومن المعروف أن جبل القفقاس كان يطلق عليها اسم جبل (القبق) وجبل (القبج) وأما إطلاق جبل القبج عليه فقد وقع في شعر (سراقة بن عمرو) كما ذكره (ياقوت الحموي) عند ذكر (باب الأبواب دربند في معجم البلدان) وذلك عندما افتتحه المسلمون في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه) وقد احتاج المغول والتتار أربع سنوات لاكتساح القواعد الهامة التي تعتبر المفاتيح الرئيسية للشريط الجبلي لشمال القفقاس. وقد أجبر الغزاة على السعي الحثيث والمتواصل واللجوء إلى الحصار الطويل للمراكز السكانية واجتياحها مع ترافق ذلك بتدمير وتخريب المدن والقرى والقيام بالمذابح وإحراق السكان... ولكن اجتياح المغول في عام ‏ 1237-1240م لم يؤد إلى دمار كامل للتجمعات السكنية فى شمال القفقاس حيث لم تصل القوات المغولية والتترية كل الشهاب الجبلية الوعرة وسكان المناطق المدمرة عادوا إلى ربوعهم بعد رحيل الغزاة عنها وأعادوا إعمار ما أمر وأعدوا تحصينات دفاعية في جميع القرى (كما حصل في ريتشا) وجهزوا وأعدوا أنفسهم للمقاومة في حال عودتهم مرة أخرى.

ذكر بلانو كاربيني أن المغول قهروا شعوب القوموق والآلان وتاركي والشراكسة وتحدث عن المقاومة العنيفة لشعوب الآلان وغيرهم. واستمرت الحروب والغزوات في شمال القفقاس مع المغول والتتار إلى ما بعد 1239-1240م

‏وعن القبائل الذهبية التي كانت قد ورثت السيطرة على سهوب شمال القفقاس أنه في يوم ا ا كانون الأول عام 1241م توفي الخان الأعظم ابن جنكيزخان في عاصمته قره قورم في هذا الوقت كانت الخصائص الثقافية للقبائل المتنقلة التابعة (لباتو) تلك القبة البدوية التي تدعى (بالقبائل الذهبية) ربما نسبة لخيمة الخان المذهبة كانت هذه الخصائص لا تزال بدوية صرفة ولهذا لا عجب إذا رأينا باتو يختار الأجزاء ذات الصفات السهوبية من أراضي الفولجا الوسطى والعليا ومنطقة شمال شرقي البحر الأسود لتكون مركزا لاستقرار واستيطان المغول في شرق أوروبا وكانت هذه المناطق حصة من الإرث الذي تركه جنكيزخان ء وقد اختيرت أول عاصمة بنيت للمغول في جوار قرية سلتر ينوي الحالية وهي في منتصف الطريق ما بين مدينتي ستالينغراد الحديثة واستراخان، وكانت هذه العاصمة تدعى (ساري القديمة) وهنا كان باتو يقضي أشهر الشتاء ولم يمض وقت طويل حتى أصبحت هذه المدينة مشهدا لأول تقارب حميم بين مغول روسيا والحضارة الإسلامية في غربي أسيا وذلك كما صوره مبعوث البابا المبشر (جيوفاني دي بلانوكاربينى) الذي مر من خلال أراضي الإمبراطورية المغولية على الفولغا بين عامي 1246-1245 ‏ام فقد بدا لهذا المبشر (كاربيني) أن الوجود الجغرافي للتتار في هذه المنطقة هو أمر محقق للذاتية، وأن هذه الإمبراطورية التي أسسها (باتو) بحملاته يجب أن يحكمها (باتو) وخلفاؤه من بعده وذ لك طبقا لرغبات جده جنكيزخان وكانت حدودها الجنوبية هي جبال القفقاس. أما بالنسبة للقفقاسيين فقد كان الاستخفاف ظاهرا بالسلطات المغولية بالنسبة لسكان (ساراي) هناك وهذا سببه ولا شك وعورة تلك البلاد الجبلية وصعوبة وصول الجيوش المغولية إلى تلك المناطق. وفى مثل هذه الظروف لم يكن الطريق ء أمام (هولاكو) سهلا ممهدا عندما بدأ بغزو تلك البلاد عام 55 12م، ولم يلاق المغول أية مقاومة تذكره أو أية مقاومة منظمة إلا بعد أن وصلوا المنطقة الجبلية جنوبي بحر الخزر حتى وصلوا إلى بغداد في يوم الأحد في صفر 656 ‏هـ / 10 ‏شباط عام1258م واحتلوا دار الخلافة وأعدموا الخليفة يبن الزرابي وذلك لأن المغول كان لديهم خوف موروث مصدره خرافي من إراقة الدماء الملكية وفي مصدر أخر هو كتاب رجال الفكر والدعوة في الإسلام ج ا ص 245 ‏ينقل فيه عن البداية والنهاية ج 13 ‏ص 203 ‏ما يرد فيه أن نصير الدين الطوعي قال لهولا كو عن الخليفة يقتل ولا يراق دمه، فقيل أن الخليفة غم في بساط وقد رفسوه حتى مات.

‏وأحدث في بغداد المذبحة الرهيبة المعروفة في التاريخ العربى التى طالت كما قلنا الخليفة المستعصم بالله العباسي نفسه والذي كان يقول تكفيني بغداد.

‏في عام 1257م كان الخان بركا زعيم القبائل 0 ‏الذهبية قد أعلن إسلامه وكانت سهوب شمال القفقاس من ضمن المناطق التى استولى عليها هو وأسلافه وقد اتخذ بركا لنفسه سياسات خاصة ومستقلة عن بقية المغول وقد كان قبول هولاكو حاكما لبلاد العجم حيث لقب ( إلك خان) التي تعني نائب الملك بمثابة تثبيت لخضوعه التام لسلطة الخان الأعظم (قوبيلاي) المركزية. بعدها تغيرت العلاقات المتوترة أخيرا بين القبائل الذهبية ونائب الملك بحيث تحولت إلى معارك ضارية عندما نشبت الحرب الأهلية بين (قوبيلاي) وبوقا وانتهز (بركا) (قاند القبائل الذهبية )هذه الفرصة وكان رجلا نشيطا فلم يقبل أن يرغم على ترك معقله الجنوبي دون نضال وهكذا بدأ فى عام261‏1م بالهجوم على القفقاس وكانت هذه بداية حرب غير حاسمة ء فاز (بركا) فيها بمعركة هامة على نهر ترك في 13 كانون الثاني عام 1263م ولكنه لم ينجح في طرد هولاكو من القفقاس. لم تكن هذه الخطوة خطيرة وبقي الوضع عاديا، لو لم يعمل (بركا) على اتخاذ موقف لم يسبق له مثيل في تاريخ العلاقات المتبادلة بين الشعب المغولي وهذا الموقف تجلى بأن أمر (بركا) رجال جيشه الذي اشترك مع هولاكو في الاستيلاء على بغداد أمرهم أن يتركوا هولاكو ويتوجهوا إلى مصر لدعم المماليك ولو بشكل رمزي) وهكذا فإن خان القبائل الذهبية (بركا) اتحد لأول مرة مع قوة أجنبية ضد إخوانه المغول مما سهل انتصار المماليك في معركة عين جا لوت بقيادة بيبرس البندقداري أيام السلطان قطز. وكان بركا مسلما كما قلنا فالعامل الديني كان له وزنه في العلاقات بين شعوب الشرق الأدنى. وهكذا فقد استقبلت الدولتان (القبائل الذهبية والدولة المملوكية بزعامة القائد الشركسي بيبرس البندقداري) نبا التحالف الرسمي الذي عقد عام 1266 ‏م بكثير من الارتياح ونجد أن لم( بركا) قد قبل أن يكون تابعا للخليفة العباسي في القاهرة بهذا القرار تخلى عن انتمائه للمجتمع المغولي الدولي، ولو معنويا وقد حكم (بركا) وهو خان القبائل الذهبية بين عامي ( 1257-1267م) وكان النضال للسيطرة على القفقاس هو الشغل الشاغل لبركا طيلة مدة حكمه وكان الحلف الذي عقد مع منطقة ما وراء النهر على يد خليفة (بركا) وهو منكو تيمور( 1267 ‏- 1280 ‏م) موجها ضد الإلكخانات. وقد أمدت قاعدة الفولغا وسواحل البحر الأسود مصر (بالمماليك) أي بالجنود ومقابل ذلك كانت مصر ترسل الصناع الحرفيين وعلماء الدين وكان لنشاطهم آثار هامة في تطور المغول في روسيا وقد شجع ذلك (بركا)لكونه مسلما أقصى حدود التشجيع. ومع أن خلفاء (بركا) لم يكونوا من المسلمين إلا أنهم لم يعيقوا تقدم تعاليم الإسلام حتى تم تحويل المغول إلى الديانة الإسلامية بسلام وقد كانت الحروب الأ هلية التي نشبت بين القبائل الذهبية سببافي تسهيل انتشار التجارة الجنوية في تلك المنطقة وقد كان التنصل الجنوي في (كافا) في القرم يتمتع بنفوذ لا يقل عن الحكام التتار في القرم. وقد ظلت العلا قات المتبادلة بين التتار وجنوى طيبة حتى عام 1308 ‏م عندما نشأت أزمة حادة أدت إلى حرق (كافا) واحتلالها مؤقتا من قبل التتار.

‏وهكذا نجد أن بلاد الشراكسة كانت مسرحا لغزوات رهيبة وحروب داعية لا تنقطع ولكن جميع هذه القوات (الهائلة) الأجنبية لم تستطع من تثبيت سلطتها على الشركس بل أنها كانت على الأغلب تسالمهم لتاخذ حريتها في غزواتها للأقوام الأخرى .




إذا عدنا إلى الوراء قليلا نجد أن المغول استطاعوا الانتصار طر بعض الأمراء الروس وفى 1277م وبقيادة الخان المغولى (منكو) الذي جهز جيشا من الروس والمغول. تم احتلال المناطق الباقية من شمال القفقاس والواقعة شمال نهر تيرك إلى أن الشراكسة جمعوا أنفسهم مرة أخرى وشكلوا اتحادا سياسيا فيما بينهم وجعلوا عاصمتهم مدينة (بيرغوساي) ، وفي عامي 1277- 1278 ‏م قام الخان منغو بحملة كبيرة مع الروس بحصار المدينة الألانية (ديدياكوف) التي سقطت في الثامن من شباط عام م 1278 م وقال عنها أحد المؤرخين الروس (سلبوا ونهبوا الخيرات، وقتلوا الناس وحرقوا المدينة). أما في موسوعة تاريخ القفقاس والجركس فقد ورد فيها ما يلي:

‏في عام 1277م سارت قوة كبيرة بقيادة (منغو خان )انضم إليها أمراء الروس بقواتهم وانحدرت إلى بلاد الشركس لإخضاعهم فقابلها الشركس بقوات مؤتلفة من القبائل الشرقية وأوقعوا الهزيمة بادئ الأمر في الجيش المغولي بجوار جبل كرج، ولكن منغو خان استطاع أخيرا الانتصار عليهم وثبت سلطانه في حوض نهر تيرك وبسط نفوذه حتى دربند. ولسنا نعلم بالضبط مقدار امتداد هذا النفوذ إلى قفقاسيا الغربية وحوض نهر القوبان.

‏على أن قبائل الأديغة التي تعرضت للضغط انسحبت إلى الجبال واتخذت موقع (برغوشي) في الغرب مركزا للادارة والتي هي لصد العدوان إن نتانج هذه الحملة الثانية غير معروفة ولكن بانتهائها لم يصبح الشراكسة تابعين للمغول. إذ يكتب سفير فرنسا لدى المغول اغليوم دور وبروك) (1253- 1255 ‏م) في رسالته المسماة (الرحلة في البلدان الشرقية ) إن (زيكيا)(أي الشراكسة) بلاد(زيخ) غير تابعة للتنر وأن ( الشراكسة) لا بزالون يقاومون ضد التتر

‏في عام 1277م استطاع المغولى نوغاي الوصول إلى نصر كبير على الشراكسة و كتب (س. بر ونيفسكي)ما يلى: (وهكذا احتل المغول أزف وتامان .كثير من المناطق داخل القفقاس إلا أن خضوع الشراكسة كان مشكوكا في أمره وحافظوا ملى استقلالهم وأراضيهم الواقعة فر أعماق الجبال والغابات أما من بقي من الشراكسة في السهول فاعترفوا بسلطة التتار تحت الإذعان واحتل التتار الشاطئ الشرقي لبحر أزوف وعبروا كيرتش إلى القرم وقاموا بهجمات هناك وفي بلاد أوربية أخرى.

‏ ‏إن أكثر الحملات الإلخانية المغولية تدميرا لشمال القفقاس كان قد جرى في عام 1324-1325م حيث اجتاح تشوبان من جوربيا إلى تخوم القفقاس أوصلوا إلى ضفاف نهر التيرك ونهبوا ودمروا وقتلوا دون رحمة وبلا هوادة المدن والقرى والقبائل كما أخذوا أعدادأ كبيرة من الأسرى هذه الصدمة والهزة العنيفة أدت إلى تأزم الوضع فى القبا ئل الذهبية في عام 1327 ‏م اشتعلت إنتفاضة قوية وحقيقةعلى ضفاف نهر التيرك في القفقاس الشمال وعلى الأغلب حرب حقيقية بين القبائل الذهبية (التون أوردوا) ضد الأديغة وتذكر المصادر بعض الحملات للأ وزبك ضد الشراكسة.

بعد توقف الحرب مع الأديغة تمكن أوزبك فان من جعل الحالة في شمال القفقاس مستقرة. ‏وشهد الرحال العربى الكبير ابن بطوطة ( 1334م) بالسيطرة الكاملة لأوزبك على السهول. وعلى مدى عشرين عاما بعد حملة 335 ‏ا م لا تذكر المصادر التاريخية أي أحداث مهمة. مضت عدة عقود ولم تحدث أي تدخلات مسلحة في القفقاس حتى اذنصار توقتاي في الحرب الأهلية وله ن قوته العسكرية أخفقت وأجهضت تحركاتها فبما وراء نهر تيرك ولم يبق لديه أي خيار سوى أن يوجه اهتمامه إلى روسيا. وقد كان أمراء موسكو ذوي حصانة دبلوماسية عظيمة بحيث استطاعوا أن يرضوا أسيا دهم التنار من نو احي إظهار الطاعة والولاء لخانات الفولغا مما جعل هولاء يسلمون جباية الضرائب والجزية لأولئك الأمراء. واستطاعوا أن يقنعوا خانات التنار أن يثبتوهم كأمراء وراثيين لموسكو بعد أن عملوا على اقناع بقية الأمراء الروس بالخضوع التام للتتار. وعادت هيبة الأسرة الحاكمة للقبائل الذهبية بعد تغلب(توقتاي) على الأزمة التي سببتها طموحات (نوقاي)(نوغاي) واستمرت هيبة هذه الأسرة في الصعود في عهد ابن أخي (توقتا ي ) وهو أوزبك الذي خلف 1313م بعد أن تغلب على عدة منافسين. وبعد أن اعتنق الديانة الإسلامية وذلك رغم معارضة كثير من الأوساط الأرستقراطية وقد أصبحهذا الخان أول حاكم في سلسلة كاملة من الخانات المسلمين. وكان عمله هذا خطوة حاسة لم يسبق لها مثيل في تاريخ التنار منذ نشوئهم.

‏وبهذا يمكننا أن نعتبر (أوزبك) المؤسس الحقيقي للأمة التتارية وهو الذي أنعم بلقب (الأمير العظيم) على الأمير المسكوفي (إيفان الأول) عام 1328 ‏م لأنه اعتبره من الأشخاص الذين يمكن الوثوق بهم مادام أنه قد تزو ج أمبرة تتارية وأنه كان كأسلافه متحمسا ومخلصا في جباية الجزية من الأمراء الروس ودفعها للخان.

‏أما في الجنوب فعندما ظهرت الدولة العثمانية الفتية لم تستطع مصالح القبائل الذهبية أن تتماشى بسهولة مع هذه الدولة إلا أن توسع تلك الدولة العثمانية أدى إلى نشوء دبلوماسية ثورية بالنسبة لمركزساراي والقبائل الذهبية. وفى عام 1354م نجح الأتراك العثمانيون عبور مضيق الدردذيل وأنشئوا موطن قدم لهم على الشاطئ الأوربي وتوقف نفوذ الإمبراطور البيزنطي في السيطرة على التجارة وحركة المرور فى هذا المضيق الهام. وحرم شعب القبائل الذهبية من الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط وقد حاول أوزبك غزو القفقاس فى عام 1335م بعد ذلك ظهر أثر الاضطرابات في وضع القبائل الذهبية دوليا انقسام داخلي كامل وتعرضت الدولة في بنيتها إلى انهيار داخلي (قد كان هذا الانهيار مريعا ومبيدا ليس لأنه تصادف مع نمو (الإمارة العظمى) فى موسكو فحسب، بل لأنه شهد نمو دولتين جديدتين: وهما مولدافيا و ليتوانيا.

‏وتفاقمت الأحداث في عام 1380م حيث هزم القائد التتاري (ماماي) على يد المسكوفيبن في معركة كوليكفوبولاي (ومعناه حقل صيد الأعداء) على نهر الدون ولكن هزيمته هذه لم تؤثر في اضعاف قوى القبائل الذهبية لأن هذه الهزيمة مكنت (توختميش) أحد المطالبين بالعرش والذي كان يدعمه حاكم اسية الوسطى (تيمور) أن يحرز انتصارا نهائيا على منافسيه وأن يعيد تأسس وتنظيم حكومة ثابتة متوازنة في مملكة التتار وفي عام1382 ‏م قاد هذا حملة ضد موسكو وبعد حصار المدينة أجبرها على أن تعو لدفع الجزية. ولكن حيوية وشباب القبائل الذهبية ما لبثت أن عادت إليها من جديد بشكل مثير عندما ظهر فجأة في وسط تلك البلاد فاتح قدر له أن يهيمن ويسيطر على جميع أقاليم آسية الغربية وهو (تيمورلنك) الذي ولد عام 1336م في كش ما وراء النهر منحدرا من سلالة جنكيزخان .

‏أقام (تيمورلنك )حكومة في القرن الرابع عشر مركزها سمرقند في أواسط آسيا وبدأ يبحث عن السيطرة العالمية. في النصف الأول من تسعينات القرن الرابع عشر وبعد أن هزم تيمورلنك زعماء القبائل الذهبية في منتصف منطقة نهر الفولغا وأسفل نهر الدون اتجه لاحتلال شمال القفقاس وزحف على رأس جيش ضخم في خريف عام ( 1395 م) إلى الكوبان.

‏حسب أخبار المؤلفين الفارسيين(نظام الدين شامي) و(شرف الدين يزدي) في النصف الأول من القرن الخامس عشر فان الشراكسة رأوا أن المقاومة لا تجدي فقاموا بإشعال نار هائلة في أعشاب المروج ببن بحر أزوف ونهر الكوبان ونتيجة لذلك قتلت أعداد ضخمة من الخيل ومن قطعان الماشية المنهوبة لانعدام العلف وعانت قوات (تيمورلنك) واستطاعوا بصعوبة كبيرة عبور الأنهار و ا ‏لمستنقعات ولم يستطيعوا الوصول إلى نهر الكوبان إلا بعد ثمانية أيام. تملك الغضب (تيمورلنك) فأرسل أحسن قواده (محمد سلطان) في حملة تأديبية كبيرة ليقوموا بإخضاع سكان المنطقة بأسرع ما يمكن وقاموا بعملية تدمير ونهب كبيرة بعد نلك قام تيمورلنك بنفسه بقيادة جيشه إلى الكوبان الأعلى حيث قام بتدمير منطقة أباظة الكوبان ومن ثم استدار إلى احتلال وسط وشرق التتار حيث عاث فسادأ وتدميرا.

يقول الشامي ويزدي: (قاموا بنهب كل إقليم الشركس ونهبوا واستولوا على غنائم كثيرة) بعد ذلك عمل على الاستيلاء على منطقة القرا شاي- تشركس الحالية وصعد تيمور إلى جبل البروس ( اوشحه مافه) (حاليا في جمهورية القبرطاي بلقار) بسبب صمود وتصدي الشراكسة للتتار فان الحملة التأديبية التي قام بها تيمورلنك في بلا الشركس قد واجهت مقاومة بطولية من قبل كل سكان الجبال ولكن القوى لم تكن متساوية إن الفصائل المتفرقة لسكان الجبال لم تستطع الصمود طويلا في وجه الجيش الضخم والمنظم والمسلح بشكل جيد (وهناك عامل آخر مهم هو أن أمدادا كبيرة من أطفال الشرا كسة كان قد أسر وخطف وسرق كلى فترات متعاقبة وتم بيعهم من قبل التنار والمغول في السابق وكذلك من قبل القبجاق ومن قبل جماعة تيمورلنك وغيره مثل تجار جنوة وغيرهم.... وبذلك نضبت الموارد البشرية الطبيعية وأصبح الخلل واضحا في كل المنطقة مما مهد وساهم في انهيار قوة الشراكسة أمام المد الاستعماري الروسي فيما بعد بعد حروب داعية استمرت لأكثر من قرن ونصف أيضا). وقامت قوات تيمورلنك بقتل الكثير من الشراكسة ودمروا قلاعهم وتحصيناتهم العسكرية وكان النجاح حليف قواتنا الظافرة التي غنمت الكثير من ممتلكات الكفار بهذه الكلمات مدح تيمور أعماله وأكدها مرارا بأقواله. وبعدها توجه تيمورلنك على رأس حملة ضد قلاع كولي وتاوسا, الواقعة كلى أراضي القبرطاي بلقار الحالية وبما أن السكان في هذه المناطق لم يملكوا كل القوة لشن حرب مفتوحة قرروا الانسحاب واتجهوا إلى أعماق الجبال وأقاموا الكمائن من الحجارة والصخور وحفروا الخنادق قام تيمور بتدمير وسلب ونهب عشرات القرى وشرد الباقون وفي هذه الفترة دمرت المدينة المزدهرة( جولات السفلى) وغيرها.

المؤلف الفارسي شرف الدين يزدي يقول: عندما انتصر تيمورلنك في عام 1395 ‏م على توختامش فإنه دمر بلا د الروس والشركس ثم زحف بجيوشه ضد بورابردي وبوراكين وهما من الأبازة.ان التنقيبات التي جرت في الأيام الأ خيرة في مناطق (جولات السفلى) تكشف لنا الصورة المأساوية للمدينة حيث وجدت آثار لحريق كبير وجدران من الطوب التي هدمت وطمرت وأطلال لمساجد وأضرحة وغيرها.

بعدها توجه تيمور لقتال (بولاد) لأنه رفض تسليم القائد العسكري أوتو ركا من القبائل الذهبية التي في حمايته وكانت القوات المطاردة لـ أوتوركا بقيادة ابن تيمورلنك (ميران شاه) حيث قام بتدميروسلب وقتل السكان والمناطق التي اجتاحها اجتاحها حتى قبض على غريمه.

‏وبعد استراحة لقوات تيمورلنك في منطقة (بياتيغورا)الشركسية توجه نحو إتشكيري (جنوب شرق الشيشان) حيث كان جزء منسكان هذه المنطقة من المسلمين وقد استسلموا للغزاة أما الجزء الآخر فقد توجه نحو المناطق الجبلية صعبة المنال والتي كنت لهم عونا في إظهار مقاومة عتيدة للغزاة وتوجب لقهرهم والتغلب عليهم استنفار وحشد قوات كبيرة وكالعادة مارسوا في أراضي شيشان انغوش الحالية التدمير والقتل وتخريب القلاع والكناس وتوجه بعد ذلك تيمورلنك إلى أفاريا في داغستان والقوموق...الخ. وكان دومأ يدمر كلما صعد إلى الشمال أو نزل إلى الجنوب في الداغستان وغيرها.

إن المقاومة العنيدة والشجاعة لشعوب القفقاس الشمالية ضد الغزاةهي صفحة بيضاء ناصعة من أجل الحفاظ على حريتهم وكرامتهم واستقلالهم. وبحروبهم ومقاومتهم خففوا الضغط على الشعوب الإسلامية الأخرى وشاغلوا أعداد هائلة من جيوش تيمورلنك لفترات طويلة.

كانت الحروب الماضية لتيمور مع القبائل الذهبية تهدف فقط لمعاقبة توختامش المتمرد عليه إلا أنه فيما بعد توجهت سياسته نحو إعادة الحياة للحلف معه والاتحاد تحت قيادة تيمورلنك نفسه.

بعد تمكن تيمورلنك عام 390 ‏ام من نهب وتدمير جنوب القفقاس اتبع أسلوب جنكيزخان وتقدم واحتل ممر دربند ونهب بلاد الداغستان ثم تقدم إلى أن وصل إلى ضفاف نهر تيرك وفي عام 395 ‏ا م استطاع أن يكسر جيش التن أوراو (القبائل الذهبية) الذي كان بقيادة توختامش وظل يلاحقه حتى أواسط روسيا وبعد عودته استطاع أن يحتل بلاد القرم وآزوف ونهبها.

وصل تيمورلنك في طريق عودته إلى منطقة الكوبان واستطاع أن يحرق بعض القرى الشركسية إلا أن الشراكسة قاوموه فترة طويلة ثم اضطروا إلى الانسحاب إلى المناطق الجبلية 0 ‏وتوجه بعدها تيمورلنك شرقأ ونهب كل من سراي واستراخان وعاد إلى ممر دربند ومنها اتجه جنوبأ تاركا بلاد شمال القفقاس ودخل الأناضول عام 1402م وبعد معركة ضارية ضد العثمانيين استطاع أن ينتصر عليهم ويأسر السلطان العثماني بايزيده ولكنه لم يجرؤ على محاربة السلطان الشركي برقوق واكتفى بمراسلته وتهديده وبالمقابل رد عليه برقوق ردآ وأهان فيه تيمورلنك وجيشه وتحداه بشكل مثير. وفي 19 كانون الثاني سنة 1405م توفي تيمورلنك في (اترار) بينما كان يشن حملة على بلاد الصين باحتلال تيمورلنك لقفقاسيا ضعفت دولة التن أورداو (القبائل الذهبي ) فتشجع كل من خاني القرم وقازان وانفصلا عن هذه الدولة وظل حكم هذه الدولة مقصورا على منطقة استراخان وجوارها كما أن الشراكسة استطاعوا استعادة جميع المناطق التي كانت دولة التن أوردو قد احتلتها . وفي عام 1453م فتح العثمانيون القسطنطينية 0 ‏حيث صادف وقت زواج إيفان الثالث من الأميرة (زويه) ابنة أخ (قسطنطين باله ثولوجوس) آخر امبراطور بيزنطي الذي قتل على درجات كنيسة القديسة صوفيا وبه أصبح أمراء روسيا الكبار ورثة الإمبراطورية البيزنطية الحقيقيين فورثت روسيا تقاليدها وموقعها فى العالم وأصبحت موسكو روما ثالثة وكان قبل ذلك قد نقل المركز الديني (متروبوليت) من كييف إلى موسكو التي أصبحت بذلك المركز السياسي الديني للروس الأرثوزكس وذلك في حوالي عام 1320م

‏وفي عام 1475م استطاعت الدولة العثمانية بقيادة السلطان محمد الفاتح احتلال بلاد القرم وأزالت من الوجود كل المستعمرات التجارية التي أنشأتها جنوا والبندقية على السواحل الشركسية في البحر الأسود وحاولت أن تحل مكانهاوباحتلال بلاد القرم أصبحت الدولة العثمانية مجاورة لشمال القفقاس‏وهكذا أصبح القفقاس الشمالي بين رحى إمبراطوريتين ناشئتين حديثأ حيث أن الروس في عام 480 ‏ا م قاموا وبشكل نهائي بدحر وإنهاء الحكم التتري والمغولي وإلى بداية القرن السادس عشر نرأهم وقد اختفوا نهائيا وتلاشوا.

‏إن هجوم التنار والمغول على شمال القفقاس أدى إلى ضربة قاسية اقتصاديأ وثقافيأ ومعيشيأ للشراكسة. فكل غارة أو حملة كان ينتج عنها الرعب والنزوح وترك الأراضي إذ تحولت الأراضى الزراعية والمراعي في منطقة الكوبان إلى أراضي جرداء ولمدة طويلة ونقص عدد السكان بشكل كبير من جراء القتل والإبادة الجماعية واختطاف الأطفال من كل الأعمار وتوريدهم إلي مصر وبلاد الشام لدرجة أن هؤلاء الأطفال الذين ربوا في القاهرة تربية عسكرية استلموا الحكم في مصر وبلادالشام وغيرها وصاروا سلاطين وأمراء دافعوا عن الأمة الإسلامية أيما هاع ضد بقايا الصليبين والمغول والتتار وغيرهم لمدة ثلاثة قرون تقريبا.

‏أدت هذه الحقبة إلى نزوحات جماعية كبيرة في شمال القفقاس. تدل المراجع والحفريات الأثرية أنه في هذه الفترة المذكورة نزحت من الكوبان الأدنى باتجاه الجنوب الشرقي قرب نهر (تيرك) مجموعات من الشراكسة عائدين إلى أماكن سكنهم القديم. ومن نتائج الحملة المغولية أيضأ ظهور مجموعات من الأباظة على سفح الشمالي لجبال القفقاس وهم الذين كانوا سابقأ يعيشون على شواطئ البحر الأسود جنوب الجبال. واستقرت بعض بقايا القبائل الطورانية بين الشراكسة أيضا.

‏لم يؤثر ظهور سكان يتكلمون اللغات التركية (المغول والتتار) وغيرها في سهوب وسفوح القفقاس على التركيبة العرقية في المنطقة بسبب تراجعها إلى الجبال. ربما ا الأمر يوضح الحقيقة التي تقول أنه في أربعينات وخمسينات القرن الثالث عشر لا تذكر المراجع أسماء شعوب شمال القفقاس الأصلية من وجهة نظر اللغات التركية. (وبسببه وقع كثير من المؤرخين العرب في خطأ تسمية شعوب القفقاس بالقبجاق تارة وبالأتراك تارة أخرى، وهذا بدوره أدى إلى تسمية السلاطين الشراكسة أتراكأ في كثير من الأحيان في الدولة البحرية والبرجية.) والذين كانوا يحملون هذه اللغات كانوا أقرب الناس إلى السكان الأصليين لشمال القفقاس من حيث الجوار. وكانوا قد حلوا تقريبا بتسمياتهم ولو شكليأ في المراجع الأجنبية مكان الشعوب الأصلية فنحن نجد في معظم المراجع أن تسمية القبجاق طاغية على البلدان والشعوب الأصلية لسكان شمال القفقاس كما قلنا وهناك مراجع أخرى تسميهم أتراكامع العلم بأن لغات ولهجات شمال القفقاس الشركسية أبعد ما تكون عن اللغات التركية بلهجاتها المختلفة ويزيدون بعدد الأحرف الشركسية أكثر من ضعف الأحرف التركية ويكثر في اللغة الشركسية الأحرف الحلقية التي لا يمكن للتركي حتى من لفظيا...

‏بالنتيجة نرى: (أن الإجتياح المغول التتري خلال النصف الأول من القرن الثالث عشر وما بعدها وخلال قرون عديدة قد أدى إلى تحطيم الجذور لخريطه السلالات والأجناس في شمال القفقاس) الوثائق التاريخية الروسية في عام 1223م تتحدث عن الدمار والخراب الذى أحدثه الاجتياح المغولي. ونحن سمعنا عن شعوب كثيرة - ياس أوبيز, كا سوغ (وهم من الشراكسة) بولرفتس، ثم تحقيرهم بشدة ‏وضربهم وطردهم وقتهم إن هذه الأحداث أدت إلى اختلاط وتمازج بين الأجناس والسلالات في شمال القفقاس.

كتب المؤرخ العربي الكبير ابن الأيثر بأنه أثناء حملات المغول والتتار وبالسيف والنار عبروا أراضي أزر بيجان والداغستان اتجهوا نحو أراضي القبجاق واحده من أكبر قبائل التيورك الكثيرة العدد وقتلوا كل من قاومهم الباقون هربوا إلى المستنقعات وإلى الجبال تركوا أراضيهم ليمتلكها التتر ومن ثم يعيد الكاتب من جديد فيقول: من بن الجبال المسحوقين منهم من اختبأ في المستنقعات وآخرون في الجبال وآخرون رحلوا إلى أراضي الروس .

ويفترض أن الجبال العالية التي هرب إلها القبجاق هي جبال القفقاس العالية إن الآثار التي خلفها الاجتياح المغولي التتري كانت مروعه ومأساويا لشعوب أخرى في شمال القفقاس مثل الان ,الأديغه الشراكسه , ويناخ , الداغستانيون, وحسب المصادر الأثرية المكتوبة قد تم تدمير المئات من المراكز السكانية في هذه الأقاليم.

‏1- كانت مجاري واحدة ‏من المدن الكبرى 0 ‏في ذلك العصر في شمال القفقاس وقد توضعت على شواطئ نهر كوما عند مصب نهر ماكرا في هذه الأيام جزء كبير منها تحتله مدينة بودنوفسك في إقليم ستافروبول.

2- كانت مدمنه جولاث السفلى القديمة بالقرب من مدينة ماينسك في جمهورية القبرطاي بلقار وفي موقع هذه المدينة وجدث مدينه كبيرة 0 ‏تعود إلى القرون الأولى من الميلاد وفي القرن الرابع عشر اعتبرت مدينه جولات السفلى مركزا دينيا وإداريا حيث وجد المنقبون فيها بقايا أكبر مسجد في شمال القفقاس في تلك الفترة وقد تم بناؤه من قرميد (آجر) مكعب الشكل بلغت مساحته 426م2 وقد استندت قبته على 48 دعامة ا كانت في أربعه صفوف. وتحت موقع المسجد هذا وجدت مقبرة جدرانها مقنطرة ومقوسة وسقف ذو ثمانية زوايا حيث دفن فيها بعض المشاهير.

3- وتأتي في المرتبة الثالثة مدينة جولات العليا التي تسمى (تتار توب أي معسكر التتار) والتي كانت من أرض القبرطاي الشراكسة وقد وجدت فيها بقايا لثلاثة مساجد إسلامية مبنية من القرميد (الآجر) وثلاث كناس مسيحية وصلت مساحة المدينة إلى 3 ‏كم وقد كتب الرحالة العثماني أوليا شلبي (واسمه الحقيقي أباظة محمد ظلي ابن درويش الذي تعلم وتثقف باستانبول في منتصف القرن السابع عشر عن أطلال تاتار توب:

توجد بقايا من أبنية قديمة خطت على أبوابها ببعض الكتابات والتواريخ ء وعندما ننظر لهذه المدينة من الأعلى نرى 800 ‏بناء قديم من هذه الأطلال يمكن أن نجزم بأن هذه الأبنية كانت مزينة بألوان وأشكال مختلفة والدليل على الأهمية الكبيرة لمدينة جولات العليا (تتار توب) في العصور الوسطى في تاريخ شعوب وسط القفقاس الشمالي هو أنه حتى فترة قريبة اعتبرت أطلاله مكانا موقرا ذو خصوصية مقدسة (مركز عبادة) للقبرطاي والأستيين والبلقاروالنغواي. وهناك دلائل على أن منطقة جولات التي ورد ذكرها في المخطوطات الأثرية في القرون الوسطى والتي تقع في الحوض الأوسط لنهر التيرك أنهم تمونوا وخزنوا المواد الغذائية والأطعمة والمؤن من الحبوب والمواد الغذائية المحلية وذلك عشية اجتياح جيوش تيمورلنك التي بلغت مئتي ألف مقالا على توختميش على نهر التيرك في عام 1395م يمكن اعتبار هذه المدن في القرون الوسطى مراكز تجارية هامة بالنظر إلى المكتشفات الأثرية من النقود وغيرها من البضائع المستوردة. ولم تكن التجارة مع الشعوب المجاورة لشمال القفقاس أو مع القبائل الذهبية فقط بل كانت التجارة مزدهرة مع آسيا الوسطى وبلدان ماوراء القفقاس (خاصة لقرب ممر داريال التاريخي من هذه المنطقة)وروسيا و ايطاليا و إسبانيا ايران و الصين و الهند...الخ وقد جلبوا من هذه البلدان بشكل أساسي المواد الفاخرة والتوابل والأواني الزجاجية وغيرها من الفخار المشوي والمرايا الصينية ومواد خزفية ومواد من الكهرمان وغيرها...

.

.