MENU





 

.

.

الشاعر الضريرتوتشج تسغو خزينة ذهبية

.

.

من خزائن أدبنا القومي
كلمة افتتاحية
كما هو واضح ، وجلي أن أغلب ماكتبه توتشج تسغو من قضائد ، وأشعار أدبنا أصبح من المحكي ، ولما شرع الشركسي يخط تراثه ، ونتاجه الفكري والعقلي بدؤوا يسجلون ماتبدعه موهبته الشعرية وقريحته ، فمنذ أواخر عشرينات القرن الماضي أخذوا يكتبون قصائده الشعرية على صفحات الأوراق الصفراء .

.

 
كتب الشاعر في إحدى قصائده الشعرية ، قائلا :
أمي التي أنجبتني .. والتي أحبتني
أكثر من الجميع
أبكت مقلتي َّ كثيرا
وتركتني حافيا .. تحت لظى الشمس
حتى شوتْ ساقي َّ .. وأحرقت قدمي َّ .
ـــ ـــ ـــ
كم وقعت .. حين كنت
أسوق عربة الثيران
تحت عجلاتها
ودون أن تلبسني
حذاء غير مقطوع ٍ ، أو ممزق
كنت أرد الثيران
الخارجة عن القطيع
ــ ــ
وكنت أنا المخطئ دائما
وأنا المسيء ... أمام أصحاب الشأن الرفيع
من دون كل الففسدين
كم أرسلوني
لجلب الماء ... من جوف بئرسحيق
أو من مستنقع موبوء
جفت عيونه .. من أمد بعيد
ــ ــ ــ
حمَّلوني وزر بيت ٍ
قد أحرقوه ... هم هدَّموا جدرانه
وقوضوا أركانه
كم عذبوا قلبي
وكم هشَّموا عظمي
لكن صحبي
قد أنقذوني
من بين أنياب حاقدة
وأخرجوني ... من ظلمة .. حقبة فاسدة
إلى دنيا
شمس أنوارها .. دافئه ْ .
ــ ــ ــ
من لايحس بآلامك
ولا يرى بعض أحزانك
خوفه عليك .. كذب ونفاق
ومن لايحبك
بكاؤه عليك
صعب لايطاق .
ــ ــ ــ
خاتمة مضيئة
كان الشاعر الضرير تسغو توتشج فلاحا مجدا ، ومزارعا نشيطا ، وراعيا للأبقار ، وأجيرا ماهرا في دباغة ، وصناعة الجلود . استطاع أن يشق طريقه في الحياة المليئة بالصعاب ، وام يـكن متعلما ، إلا أنه كان يعزف وبمهارة على الربابة الشركسية . كان فصيحا ، وبـليـغا ، وصاحب لسان طليق . مال إلى تلحين الأغنيات الشــركسية ، ثم أخــذ يفكر في تصويرالحياة بكل مافيها من مرارة وشظف ، وقسوة وعذاب ، وكان يعمل عقله وفكره فيها متأثرا بالأسطر الشعرية للشاعـر الـروسي بوشكين وأفكاره ، وهو وإن لم يـكن قد فهم مافـيها من معان عـميـقة ، ودقيقة إلا أنه شيئا فشيئا قد أثارت في صدره عاصفة شعرية قوية ، وهكذا تولع بكتابة الشعـر ، فكتب الكثير من القصائد الشعرية الشركسية التي كانوا يكتبونها له على الأوراق ، ويقوم بعد ذلك بنشرها في الصف الصادرة في الوطن الأديغي حين ذاك . أصدر ديوانا شعريا من مختارات قصائده الشعرية باللغتين الشركسية والروسية في كل من من مدينة مايكوب ، وكراسنودار ، وموسكو ، وبعد ذلك كتب الشاعر المشهور الملحمة الشعرية حرب النبلاء والأحرار ، ومافقُـوَ ورسْ بي ، وأصبح الكتابان أول عملين أدبيين في تاريخ أدبنا الشركسي في المرحلة السوفيتية ، ويقول كستن ديمتري الكاتب الشركسي المشهور: لو أنكم تذكرون ماجاء في كتاب حرب الأحرار والنبلاء من أسطر شعرية ، حيث قال فيها : من لم يفهم حال الدنيا في الماضي ، فلن يقوى على الحياة ، والعيش في الزمن الحاضر . والشاعر العجوز ، والضرير حين أخذوا يكتبون قصائده ، وأشعاره على الأوراق كان في الثالثة والثمانين من عمره ، واستطاع بعقله ، وذكائه ، وموهبته الشعرية ، وبما لديه من قدرات ، وطاقات ، وأخلاق كريمة ، وحظ مضيء ، ومهارة ، وخبرات أن يأخذ مكانه في الحياة ، وأن يجعل الأحدلث والوقائع الهامة التي جرت في الأرض الأديغية ، والتي شهدها ، وعاشها منذ سنة ( 1855 ) جذورا ، وجذوعا لمجمل نتاجه الشعري ، وكما هو معلوم فقد كان ذلك العصر في ذروة الصراع المتأجج مابين النبلاء والأحرار . وفي تلك السنة انتخب شاعر الشعب الشركسي تسغو توشج نائبا في مجلس سوفييت منطقة الأديغي ، وقد نشرت قيادة نقابة اتحاد الكتاب السوفييت خبرا نشرته صحيفة البرافدا في الثامن والعشرين من شهر كانون الثاني أن كاتب الشعب الشركسي تسغو توتشج البالغ من العمر الخامسة والثمانين قد فارق الحياة . إن من عمل معه ، وبإخلاص ، وكتب له نتاجه الشعري ، وما أبدعته قريحته الشعرية هو الكاتب الشركسي المشهور دمِتري كسْتـَن َ يستحق كل الشكر والتقدير . ونحب أن نضيف أن تسغو توتشج كان قد قال : لقد ضاعت الكثير من القصائد والأشعار التي ألفتها طوال حياتي المديدة ، فذكريات الشيخ العجوز أشبه بكيس مثقوب يتساقط منه الكثير ، ولايبقى فيه إلاَّ القليل . إن ماتركه لنا الشاعر العجوز ، والفلاح الضرير قليلا كان أو كثيرا هو أشبه بخزينة قومية مَلآ بالذهب .

ــ الكاتب الصحفي : الأديب يونس تشايَـقـُـوَ .
ــ الترجمة إلى العربية : محمد ماهر إسلام

.

.